السبت، 16 مايو 2009

الوقت
"يا ترى أين ذهب الوقت"، "أتمنى لو كان اليوم 36 ساعة بدلا من 24 ساعة"، "آسف لا يوجد لدي متسع من الوقت"، "إن الوقت يطير بسرعة"، "إننا نعمل ضد الوقت" ،"الوقت يزحف"، "الوقت يلاحقنا"، "انتبه للوقت"، "انتهى الوقت".
كلمات تتردد على ألسنتنا كثيرا عندما نتحدث عن الوقت مما يعطي انطباعا عجيبا لو تمعنا في أي منها عن ما أهمية الوقت!!
ولو راجعنا كل مناحي النشاط الإنساني لوجدنا الوقت عاملا أساسيا في نجاحها أو فشلها، وصدق من قال أن "الوقت هو الحياة" فحقا حينما نقول "تنظيم الوقت" فإننا نعني ببساطة تنظيم الحياة، حياة الفرد وحياة الأمة وما فلحت أمة على مر التاريخ عندما قلت أهمية الوقت في حسابها، وحتى من يقيس الوقت بالذهب والفضة فإنه لم يعطي الوقت مكانته المطلوبة،
ما هية تنظيم الوقت:
كثيرا ما تمر علينا كلمات مثل "نظم وقتك حتى تنجح" لا بد من تنظيم وقتنا لننجز هذا العمل" "إنه يجيد فن إدارة الوقت" وكأنما الوقت شيء بين أيدينا نستطيع أن نتحكم به وفي الحقيقة هذا الاصطلاح "تنظيم الوقت" هو اصطلاح تعارف عليه الناس ولا يعني حقيقة أننا بمقدرتنا تنظيم أو إدارة الوقت. فلا يوجد إنسان يستطيع التحكم بالوقت كأن يوقف الدقائق عن الغد أو يرجع ثواني مضت من عمره. إن فن إدارة الوقت هو في الحقيقة فن إدارة الأعمال والأحداث المرتبطة بالوقت الذي لا يتوقف. فإذا كنت تحسن التحكم بأعمال وأحداث حياتك فأنت تدير وقتك بنجاح والعكس صحيح. وفي هذه الوريقات سنحاول أن نلقي الضوء على النمط الذي تسير عليه في قضاء وقتك ومن ثم كيف يمكنك إحداث تغيير في هذا النمط بتعزيز نقاط القوة وتقليل نقاط الضعف.
كيف ينظر الناس للوقت:
على تنوع الثقافات في العالم وعلى مر العصور كلها كانت نظرات الناس متشابهة للوقت بحسب ارتباطه بأحداث ومجريات حياتهم.
فمنهم من يتحكم به الوقت، فيصبح الوقت هو سيده يستلم زمام القيادة لكل أعمال ذلك الإنسان فهو عادة ما يتوقف عن عمل ما لأن الوقت متأخر جدا أو لأن الوقت مبكر جدا لإنجاز ذلك العمل، حتى لو كان يجب إنهاء ذلك العمل. وهو عادة ما يستيقظ في نفس الساعة ذاتها يوميا بغض النظر عن ارتباط استيقاظه بعمل ما وهذا النوع يمتاز بأنه يستخدم الساعة اليدوية بشكل دقيق وبدونها لا يمكن أبدا أن يحدد الوقت. مثل هذا النوع لو أعطي مهمة لإنجازها وكانت تأخذ أطول من الوقت المفروض فإنه يتوقف حتى لو لم ينجز هذه المهمة. من مزايا هذا النوع أن الخيارات لديه قليلة فهو مرتاح للوضع الذي يعيشه وللنشاطات التي يمارسها بشكل روتيني ملتزما بالوقت مهما كلفه ذلك.
ومنهم من ينظر للوقت على أنه عدوه فهو في سباق ويحس أنه لا بد أن يصارعه، هؤلاء يمتازون بأنهم كثيرا ما يضعون مواعيد نهائية للأعمال يلتزمون بإنهاء نشاطهم عندها حتى لو لم يتطلب الأمر ذلك. والشخص الذي يستعمل الوقت وكأنه في معركة معه عادة يتحسس من مثل التعليقات التي تقول له "لا يوجد داعي للاستعجال" "لدينا متسع من الوقت" وإن كان في موقع المسؤولية فهو يحكم على الآخرين من واقع استخدامهم الكفء للوقت وليس من واقع إنتاجيتهم. من فوائد النظر للوقت كعدو أنها ترفع روح المنافسة والتي يظن الكثير أنها مفتاح النجاح.
وهناك آخرون ينظرون للوقت على أنه شيء غامض صعب الفهم، ولذا فهم يرون أنه أسلم وسيلة للتعامل معه هو محاولة إنجاز الأعمال بدون أن يأبهوا له، آملين ألا يضطروا للتعامل معه، هؤلاء يركزون بشدة على المهمة التي بين أيديهم تماما كما فني المختبر الذي يطارد جزئية صغيرة بغية الخروج منها بنتيجة. عند هؤلاء لا يوجد تصور كامل للحاجات أو المواد لأعمالهم ولا كيف سيتصرف الآخرون معهم حيالها. ثم هم يرفضون أن يقدموا تعهدا ما بإنجاز عمل في وقت محدد لأنهم يجهلون تماما كم كل مرحلة ستأخذ أو حتى متى سينهوا المهمة المناطة بهم. وفي الحقيقة إن التصور بأنه عندما نتجاهل الوقت من حساباتنا سنمنع من أن يكون كبير مشكلة، هذا التصور لا يفيد كثيرا أصحابه إلا بأنهم يغرقون في العمل الذي بين أيديهم حتى ولو كان ذلك العمل تافها في محاولة لإقناع أنفسهم بأن ذلك العمل سيعود عليهم بنتائج على كل حال.
وصنف من الناس اتخذ الوقت عبدا له وصار تركيزه منصبا على كيفية التحكم الدقيق بالوقت فهو يحاول دائما أن يحدد بدقة كم سيسمح أن يعطي من وقته لكل صغيرة أو جليلة. هذا الصنف عادة ما تراه يفكر بالمستقبل فمثلا في الاجتماعات تراه بدلا من أن يشارك في مناقشة النقاط المطروحة يفكر بماذا سيقوله بعد الانتهاء من هذه المناقشة، ماذا سيفعل بعد انتهاء الاجتماع، أو ما هي الخطط الكفيلة بإحالة موضوع الاجتماع إلى واقع وهو يمتاز بأنه يعطي قيمة كبيرة للنتائج الملموسة لأي نشاط … ولذا تراه يغرق في الأنشطة ذات النتائج السريعة وبالتالي فإن برنامجه اليومي مليء بالأنشطة من مثل هذا النوع. هؤلاء عادة ما يبدو عليهم التعب بسرعة لأن عندهم تصور أنه لا بد أن يعتصر كل ثانية من وقته ما دام هذا الوقت صار عبدا عنده. الأفراد الذين ينقلون أعمالهم معهم في أوقات راحتهم أو المديرين الذين لا يستطيعون تفويض العمل لمرؤسيهم (لخشيتهم من ان يفقدوا التحكم) هم أناس على رأس القائمة ممن يمتاز بمثل هذا الشعور. هذا الشعور تملك الكثير من الأفراد ممن يعيشون في المجتمعات الغربية بما فرضته عليهم هذه المجتمعات من هاجس الآلية في العمل والإنتاج بدون توقف في وقت قصير.
وهناك من يرى الوقت كحكم المباراة يقيس عليه كل دقيقة وثانية ولذا تجدهم يحاولون أن يعرفوا ما هو الوقت في كل لحظة مما يتطلب أن يكون الوقت أمامهم دائما فهم يحرصون على أن يقتنوا الساعات الدقيقة في أيديهم، على حيطان بيوتهم وفوق طاولات مكاتبهم … وبالرغم من أنهم يرون الوقت كحكم المباراة فهم في بعض الأحيان لا يعجبون بقراره فتراهم يحاولون أن يحتالوا عليه خصوصا عندما يشعرون بالذنب حينما لا تتوافق النتائج مع الوقت المتاح.
هذه الأنماط السابقة وما بينها من تشابه أو اختلاف هي عبارة عن أوصاف عن كيفية استغلال الوقت من قبل الناس، كل هذه الأوصاف وغيرها قد تجتمع في شخص واحد وقد تجد شخصا ينفرد بنمط أو نمطين منها ولكنها تظل ليست دلالة سليمة على حسن استغلال الوقت. إن الوقت نعمة من الله تماما كما الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه. وهو قوة محايدة يعتمد تأثيرها على طبيعة استخدامها، ولكن العجيب في هذه القوة أنها تمر سريعا فهي لا تنتظر حتى نأتي إليها ونستعملها بل هي موجودة بيننا نحياها ونعيشها منذ أن لفظتنا أرحام أمهاتنا وحتى تبلغنا ظلمة القبور.

ليست هناك تعليقات: