الجمعة، 26 سبتمبر 2008







كان شوقه و فضوله هما ما دفعاه للسؤال... كان قد سمع الكثيرين يتحدثون عن البحر. قرأ أن البحر جميل لكنه غدار. سمع أن البحر مصدر رزق. سمع أنه مكان استجمام. يقال أن السفن تمخر في عبابه واصلة المشرق بالمغرب. أراد أن يعرف ماهو البحر. كان كل مايراه هو ثلاثة أحرف... باء، حاء و راء. و لكن كان يعرف أن شخصاً ما عنده الإجابة على سؤاله. فأراد أن يبحث عنه و يسأله... عندها سيعرف ما هو البحر...ذات يوم جميل... و مع نسمات الصباح العذبة. بعد أن صلى الفجر في المسجد... و هو عائد في طريقه يتابع الطيور الجميلة التي تتنقل بين الأشجار و الأرض... ربما هي تبحث عن قوتها. ربما تبني أعشاشاً أو ربما هي تلعب و تسلي نفسها... و بينما هو يراقب الطيور و يسبح الله الذي خلقها. رأى رجلاً راجع من نفس المسجد يبدو أنه متعلم و عنده من المعلومات ما قد يشبع رغبته في المعرفة...بعد السلام بتحية الإسلام و سؤال عن الأحوال... قال له: هل تعرف البحر؟أجاب الرجل: نعم و من لا يعرف البحر!!!قال له: إذاً أخبرني ماهو البحر؟أجاب الرجل: أنا لم أرى البحر من قبل إلا مرة واحدة. و لكن لي صديق يعرف البحر جيداً و اخبرني عنه...استطرد قائلاً: البحر هو كمية هائلة جداً من المياه و به أمواج تكون أحياناً عاتية و أحياناً تكون أليفة منسابة.شكره كثيراً و سأل الله أن يجزيه خيراً. و عاد لبيته يتمختر بفرح و ابتهاج. فلقد عرف ماهو البحر...مرت 3 أشهر...ذات يوم له سماء صافية و شمس مشرقة، حارة بعض الشيء... لكن كان يوماً رائع في نظره... كان قد ذهب للتسوق و شراء بعض مستلزمات البيت. و بينما هو يقلب التفاح فواحدة شديدة الحمرة و أخرى وسط. و أخرى حمراء مع قليل من نقط صفراء. كان يفكر كيف أن كل هذه الكمية الكبيرة من التفاح المتشابه تحمل هذا التنوع. فكل تفاحة فيهم تختلف عن الأخرى و عجز على أن يجد تفاحتين متطابقتين...و بينماهو على حاله هذه يقلب التفاح و يفكر و يسبح بحمد الله الذي خلقه و جعله مختلف مع أنه متشابه... سمع صاحب المحل يتحاور مع شاب يتحدث بطريقة لبقة و كان من الواضح أنه مثقف. و سمع الشاب يقول أنه يسكن بجانب البحر...يالها من فرصة و مصادفة!!! قال في نفسه. و فكر أنه يمكنه أن يسال هذا الشاب عن البحر فلربما أخبره معلومة جديدة عنه. و لربما وصفه له بدقة أكبر تمكنه من تخيله...بعد السلام بتحية الإسلام و سؤال عن الأحوال... قال له: هل تعرف البحر؟أجاب الشاب: نعم أنا أعرف البحر جيداً. فأنا أسكن على شاطيء البحر...قال له: إذاً أخبرني ماهو البحر؟عندها قدم لهم صاحب المحل كرسيين فجلسوا و أحضر إبريق شاي. و صب لكل منهم فنجان شاي. و بدأ الحديث...قال الشاب: البحر هو تجمع هائل من الماء و فيه أمواج تكون أحياناً عاتية و أحياناً تكون أليفة. و للبحر مياه مالحة. و يحصل للبحر مايطلق عليه بالمد و الجزر. فترتفع مياهه أحياناً و تنخفض أحياناً أخرى. حسب حركة القمر حول الأرض. كما أن مياه البحر منعشة في الصيف حيث أنني أقضي بعض الوقت على الشاطيء مستمتعاً بنسماته العليلة و أسبح في مياهه المنعشة...و أسهب الشاب في الحديث عن لون البحر في النهار و الليل و كيف يكون حين الشروق و حين الغروب. و عن رائحة نسماته المنعشة...بعد نصف ساعة من الحديث انصرف كل إلى طريقه بعد سلام حار... عاد الرجل مسرعاً لبيته و حدث زوجته عن ماتعلمه عن البحر و كيف أنه أصبح يعرف الكثير عنه. و ما كان حلمه حين نام إلا عن البحر و أمواجه و نسماته و كل ماحدثه عنه الشاب.مرت 3 سنوات...ذات يوم صيفي حار... كان مشغول في مكتبه بين الأوراق و المستندات. طرق الباب... و بعد الإستئذان دخل عليه مديره... قال له أنه سيتم بعثه في مهمة عمل للساحل. و سأله إن كان موافق أم لا.اجاب دون تفكير: نعم نعم بكل تأكيد... عندها يمكنني أن أرى البحر بنفسي.قال له المدير: لو أنجزت عملك بشكل جيد و بسرعة و كفاءة سيمكنك أن تقضي يومان هناك لترى البحر و تستمتع بمياهه و نسماته.كاد يضرب سقف مكتبه حين قفز من الغبطة و السرور. و سأل مديره: و متى أذهب؟قال المدير: يمكنك أن تعود للمنزل الآن لتجهز نفسك و غداً صباحاً بعد الفجر مباشرة تأتي هنا لتذهب مع مرافقك.لملم أوراقه و مستنداته و رتبها في أماكنها على الأرفف و أخذ البعض منها في حقيبته. و خرج مسرعاً يسابق الريح... و عاد للبيت أخبر زوجته بالخبر المفرح و تمنى أنه يمكنه أن يأخذها معه. ولكن لايمكنه ذلك. و وعدها أنه سيفعل ذلك إن شاء الله حين يأخذ إجازته.جهزت له زوجته حقيبته. بينما هو كان يراجع بعض الملفات الخاصة بالعمل. و أعد كل مستلزمات مهمته. و أسرع بعد صلاة العشاء في المسجد للبيت و للسرير مباشرة. و من سعادته كان لا يستطيع النوم مفكراً في البحر و منظر البحر و أنه أخيراً سيعرف البحر. فمهما كانت الكلمات و الأوصاف لن ترقى لما تراه العين و تعيشه الجوارح. و بهذا سيعرف كل شيء عن البحر.أخذه النعاس و تلك البسمة لا تزال مرتسمة على شفتيه. و كانت كل أحلامه بحور و مياه مالحة و أمواج و مد و جزر و نسمات و .....


صورة للبحر وهو متجمد هل تصدق ذلك